الأربعاء، 7 نوفمبر 2007

أطفال دارفور على سفينة نوح الفرنسية


أطفال دارفور على سفينة نوح الفرنسية
كمال الدين بلال / لاهاي
تناولت وسائل الإعلام العالمية قضية محاولة اختطاف 103 من الأطفال السودانيين والتشاديين عبر طائرة خاصة من مطار أبشي التشادي من قبل منظمة فرنسية تسمى ''لارش دو زوي'' بزعم أنهم أيتام وتود توفير أسر بديلة لتتبناهم.
تعددت ردود الأفعال الدولية على العملية حيث استنكرتها معظم المنظمات الدولية لمخالفتها للقانون الدولي خاصة المادة «35» من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989 التي تمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال. هذا وقد رجح الناطق الرسمي باسم المفوضية السامية للاجئين عدم كون الأطفال المعنيين أيتاماً، كما أكدت وزيرة الدولة الفرنسية للشئون الخارجية ''راما ياد'' السنغالية الأصل بأن العملية غير قانونية وغير مسئولة وأكدت أن القضية تمت إحالتها إلى القضاء ووزارة الداخلية والهجرة. أود في هذه السانحة أن القي الضوء على القضية من خلال المعلومات التي استطعت جمعها حول المنظمة وأهداف العملية المشبوهة ومدى علاقة السلطات الفرنسية بالأمر.
تفيد المعلومات المتوافرة أن المنظمة تأسست في عام 2005 بعد كارثة المد البحري تسونامي، وقد استعارت المنظمة أسم طفلة اندونيسية تسمى (Zoë) نجت من الكارثة لاستخدامه في أسماً للمنظمة إضافة لكلمة (Arche) الفرنسية التي تعني سفينة ليصبح أسم المنظمة ''سفينة زوي'' على وزن ''سفينة نوح'' التي وهبت الحياة للبشر بعد الفيضان. تشتهر المنظمة بانتقادها اللاذع على صفحتها على الانترنت للأمم المتحدة وتتهمها باللين في التعامل مع الحكومة السودانية حول ملف دارفور، وتزعم بوجود أكثر من «800» ألف طفل في الإقليم بدون عائل يموت واحد منهم كل خمس دقائق، وتؤكد أنها لن تظل مكتوفة الأيدي حيال الأمر رضى من رضي وسخط من سخط. وقد قامت المنظمة وفقا لوسائل الإعلام الغربية بالاتصال بوزارة الخارجية الفرنسية منذ مايو الماضي عدة مرات وأخبرتها بخطتها في نقل أطفال سودانيين من تشاد، ونصحتها وزارة الخارجية الفرنسية بعدم فعل ذلك ولكن لم تمنعها على حسب زعم المنظمة. وهذه المعلومة
تنفي صحة تصريحات وزيرة الدولة الفرنسية للشئون الخارجية بأن المنظمة قامت بالعملية بشكل سري دون موافقة السلطات الفرنسية ودون إبلاغ أحد عن نواياها. وعادت الوزيرة وصرحت لاحقا بأن بلادها قامت بكل ما تستطيع لمحاولة منع المسئولين عن نقل أطفال دارفور من تنفيذ مشروعهم. ويتضمن هذا التصريح اعترافاً ضمنياً بالمعرفة المسبقة لوزارة الخارجية بخطط المنظمة.
كشفت التحقيقات الأولية وبعض شهادات الأطفال المخطوفين بأن أعضاء المنظمة استدرجوهم في غياب ذويهم بالحلوى والبسكويت خارج معسكرات النازحين مما ينفي صفة اليتم عن الضحايا وهي الصفة التي ترتكز اليها مزاعم المنظمة، فمن الواضح أن المنظمة منظمة مراهقة لا تراعي المواثيق الدولية وتتكسب من المآسي الإنسانية في المناطق التي تقل أو تنعدم فيها الرقابة الحكومية، فقد أبرمت عقوداً مع حوالي «300» أسرة فرنسية وبلجيكية لتبني هؤلاء الأطفال مقابل مبالغ مالية طائلة استلمتها كشيكات تصرف بمجرد تسليمهم، وقد خالفت المنظمة هذا الاتفاق وصرفت بعض تلك الشيكات لتغطية نفقات الرحلة الفاشلة التي كلفت «550» ألف يورو منها «167» ألف قيمة أجرة طائرة البوينج، وقد ترتب على صرف هذه الشيكات قيام بعض الأسر برفع دعاوى قضائية ضد الشركة لإخلالها بالعقد.
لا بد هنا من توضيح أن الدول الأوربية تعاني من مشكلة شيخوخة مجتمعاتها حيث ترتفع نسبة كبار السن وتنخفض نسبة الأطفال لعدة أسباب، أولها انخفاض خصوبة المرأة الأوربية بسبب تأخر سن الإنجاب، ثانيا ارتفاع نسبة العقم بسبب طبيعة الغذاء الذي تكثر فيه المواد الحافظة، وأخيراً بسبب تفضيل بعض النساء عدم الإنجاب للحفاظ على رشاقتهن. هذا إضافة لكون أن الكثير من كبار السن الأوربيين يتأثرون بما يشاهدونه عبر وسائط الإعلام حول الأوضاع الإنسانية
المزرية في معسكرات اللاجئين في إقليم دارفور مما يجعلهم يتحمسون لفكرة تبني أطفال من الإقليم بهدف توفير فرص حياة أفضل لهم.
كل هذه الأسباب مجتمعة تجعل من تلك الأسر الأوربية التي كانت ترغب في تبني أطفال من إقليم دارفور ضحايا للمنظمة المذكورة مثلهم مثل الأطفال، ففكرة أن يكون هدف هذه الأسر استغلال هؤلاء الأطفال جنسيا أو بيع أعضائهم أو استرقاقهم أمراً مستبعداً في ظل القوانين الأوربية الصارمة تجاه حماية حقوق الطفل.
يبدو أن المنظمة كانت ترغب في تقديم طلب لجوء سياسي لهؤلاء الأطفال وذلك حتى يمكنها إدخالهم للأراضي الفرنسية بصورة قانونية حيث أن طالب اللجوء لا يشترط أن يدخل البلاد بتأشيرة دخول أو جواز سفر أو حتى وثيقة هوية، كما حاولت المنظمة أن تظهر الأطفال كأنهم يعانون من أمراض ذات علاقة بسوء التغذية لتفرض على فرنسا قبولهم على أساس إنساني لانحدارهم من منطقة نزاع
مسلح. والجدير بالذكر أن الدول الأوربية تقوم بمجرد دخول طالب لجوء قاصر إليها بالبحث له عن أسرة بديلة ترعاه لتوفر له الدفء الأسري الذي فقده.
هذه الفضيحة ذات العيار الثقيل لا شك انها وضعت باريس في حرج شديد، خاصة وأنها تستضيف بعض قادة الحركات المسلحة كما تنوي نشر بعض قواتها على الحدود التشادية مع السودان، ومن ناحية أخرى تمثل هذه الفضيحة صفعة مؤلمة للمنظمات الإنسانية التي تنشط في إقليم دارفور حيث أظهرتها وكأنها جميعاً تمتلك أجندة خفية، ولا ننسى أن السودان شهد من قبل فضيحة منظمة البارونا كوكس التي أدعت وجود سوق نخاسة للبشر في السودان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق