الاثنين، 1 سبتمبر 2008

"اتحاد المحامين العرب": مَن لضحايا دارفور؟!!




بقلم: د. عبد الحميد الأنصاري

عقب الاتهامات الموجهة للرئيس السوداني عمر البشير، قام نقيب اتحاد المحامين العرب، سامح عاشور بترؤس وفد من الاتحاد، وطاروا مسرعين إلى الخرطوم حيث قابلوا البشير وأعلنوا "تضامن المحامين العرب مع السودان لمواجهة المخطط الذي يستهدف الشعوب العربية"، وأعرب النقيب عن استعداد الاتحاد لتفنيد الاتهامات وإبطالها، وذلك لمخالفتها للمواثيق والمعاهدات الدولية. وقال "اتحاد المحامين العرب" إن موقف المحكمة الدولية يمثل انتهاكاً صارخاً لكل القيم والأعراف ومبادئ القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، وإن ما يجري دليل قاطع على تدهور مؤسسات المجتمع الدولي بسبب سيطرة أميركا عليها!



هذا الموقف ليس بمستغرب، لا من قبل الاتحاد ولا من نقيبه، وليس ذلك بأول موقف مستغرب منهما، فتاريخهما حافل بالغرائب والعجائب، فقبل سنتين، هرولت الأمانة العامة للاتحاد إلى دمشق وعقدت مؤتمراً تحت شعار "مساندة سوريا واجب قومي" ضد لجنة التحقيق الدولية المشكلة بقرار مجلس الأمن 1559 في مقتل الحريري ورفاقه. اجتمع المحامون في مؤتمر حاشد واستمعوا للرئيس الأسد الذي قال: "إن سيادتنا فوق مجلس الأمن"، ووسط الهتاف والتصفيق، وقف أحد المحامين ليقول للأسد إنه جمال عبد الناصر هذا القرن! ثم قام النقيب عاشور ليضرب بقبضته المنصة صارخاً: "حتى لو وافق الزعماء العرب على لقاء الأسد مع لجنة التحقيق، فإن المحامين لن يسمحوا بذلك، وسيمنعونه بالقوة، لأن كرامتهم من كرامته". ويندمج عاشور في مسرحيته وينتفض مستهجناً محاكمة صدام حسين داعياً العرب إلى قطع علاقاتهم ببغداد "المحتلة"، ومطالباً بتملك السلاح النووي!



ولماذا نذهب بعيداً، فبالأمس دخلت اتحادات ونقابات المحامين في كل من مصر والأردن في سباق محموم للدفاع عن صدام حسين، وجنّدت نقابة المحامين الأردنية 1500 محام لمساندة هيئة الدفاع عنه، وصرح نقيبها غداة سقوط صدام في يد التحالف، بأن النقابة "تعتبر الرئيس صدام حسين قائد المقاومة لتحرير جزء عزيز من الوطن العربي من العصابة الأميركية، وإنه لا زال رئيساً للعراق، ويظل محصناً من المساءلة الجزائية بحكم دستور العراق والقوانين الدولية".







وتألفت هيئات ولجان للدفاع عن صدام، تطوع في بعضها محامون ووزراء عدل سابقون وشخصيات عربية وعالمية، مثل الفرنسي "رولان دوما" والماليزي "مهاتير" والجزائري "ابن بلّة" والأميركي "كلارك" والقطري "النعيمي"، وانضمت إليها "عائشة القذافي" والمحامية السعودية "ريم الجيب". وعندما أعدم صدام، تسابق هؤلاء لإقامة مؤتمرات تأبين في "فقيد الأمة" للإشادة بمناقبه وتعداد منجزاته!



ما يقال -اليوم- من حجج ومسوّغات، دفاعاً عن البشير وسياساته، قد قيل بالأمس دفاعاً عن صدام ومغامراته، فلم تغن عنه شيئاً. يكررون نفس الحجج المحفوظة مثل: تسييس معايير العدالة، والكيل بمكيالين، والعدالة المتحيزة ضد العرب، والانتقائية، وخدمة المخططات الأميركية... إلى آخر تلك الاتهامات التي عبر عنها قارئ في "الاتحاد" بقوله: "فأي عدالة دولية هذه التي تحاسب على أزمة داخلية في دارفور عمرها أقل من 5 سنوات بينما تواصل سياسة التعامي عن أشنع الجرائم في فلسطين وعمرها 50 عاماً؟!".



من حق هؤلاء أن يدافعوا عن البشير كما دافعوا عن صدام، ومن حقهم أن يطالبوا بوحدانية المعايير الجنائية الدولية، وتطبيقها على كل من يشتبه في ارتكابه لجرائم مماثلة، كما يقول الدكتور سعد الدين إبراهيم... لكن ما يحاول أن يتجاهله هؤلاء -دائماً- هم الضحايا!



لن نسمع صوتاً من اتحادات المحامين التي جندت نفسها للدفاع عن الرؤساء المتهمين، يساند الضعفاء المهمشين! صدام لم يكن بحاجة إلى جيش من المحامين للدفاع عنه، وكذلك البشير ليس بحاجة إلى اتحاد المحامين العرب للدفاع عنه، لكن ضحايا دارفور والملايين من المسحوقين هم الأحوج إلى مساندة قانونية من قبل جمهرة المحامين.



تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 300 ألف شخص قضوا في دارفور، وفرّ مليونا شخص من ديارهم بعد أن دمرت قراهم على أيدي ميليشيات الجنجويد العربية المدعومة من السودان. من لهؤلاء؟ من للأرامل؟ من لليتامى؟ من للمشردين؟ كل هؤلاء الضحايا مسلمون، وكل ذنبهم أنهم ليسوا عرباً من جنس حكامهم! وإذا لم يجدوا سنداً ممن يفترض فيهم حماية الحق ونُصرة الضعيف، فبمن يلوذون ويستجيرون؟ وهل يُلام المجتمع الدولي إذا تدخل لمد يد العون؟ خمس سنوات دامية وأبناء دارفور يتساقطون ويُشردون وتنقل الفضائيات مشاهد مروعة تفجع قلوب العالم وتدمي ضمائره، إلا الضمير العربي الذي كان في إجازة، وإلا جامعتهم التي ظلت في غيبوبة، وإلا إعلامهم الذي تخاذل عن التغطية ونقل الحقائق، ولم يجرؤ العرب على تقديم نصيحة مخلصة للسودان بشأن دارفور تقيه مخاطر التدخل الدولي، تركوه يرتكب الخطأ تلو الخطأ، فيتورط أكثر فأكثر لتستغل المنظمات الدولية تلك الأخطاء، ولتضع الرئيس السوداني في قفص الاتهام، إذا لم يكن هذا نفاقاً فماذا يكون النفاق؟! لقد صدق شيخ الأزهر عندما قال: لولا النفاق العربي لأنقذت "الجامعة" الكويت من ظلم صدام. ويبدو أن العرب أمة لا تستفيد من دروس الماضي، وهاهم اليوم يكررون بفزعتهم للبشير على طريقة "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" نفس أخطاء الماضي، الفزعة الحقيقية للرئيس السوداني إنما تكون بالمصارحة الحقيقية والصادقة لاتخاذ سياسات مغايرة تواسي المحزون وتداوي الجريح وتؤمّن المفزوع وتؤوي المشرد وتحقق المصالحة الداخلية الشاملة وتقتص من الذين أجرموا وتعوّض المتضررين، تلك مسؤولية السودان -أساساً- كما هي مسؤولية كل العرب، فجرح دارفور النازف رمز عار لكل العرب.



إن مواقف اتحادات المحامين، تثير الأسى في النفوس، والمرارات في القلوب، عندما تتحول منظمات حقوقية هي معاقل للدفاع عن الحريات ونصرة الضعفاء إلى معاقل خانقة للحريات وقامعة للفكر ومناصرة للأقوياء الظلمة.



أين كانت تلك الاتحادات من المقابر الجماعية؟ ومن مجازر دارفور؟ ومن الإبادة الجماعية في حلبجة والجنوب العراقي؟ لماذا يعلو صياحهم، وتظهر عنترياتهم ضد أميركا بحجة "أبوغريب" و"جوانتانامو" وتخرس ألسنتهم لما يحصل في سجون ومعتقلات بلادهم ولما حصل للمئات من البشر ذهبوا وراء الشمس؟!



بالأمس قلت إن فجيعتنا كبيرة بالمعارضة السياسية العربية -أملنا في غد أفضل- لأنها أسوأ من أنظمتنا، واليوم أقول إن فجيعتنا أكبر في منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها نقابات المحامين!



يتهمون المجتمع الدولي بالكيل بمكيالين ونحن نكيل بعشرة مكاييل ومع مواطنينا! يتهمون المحكمة الدولية بالانحياز، ومحامونا هم الأكثر انحيازاً ضد المظلومين! يتهمون المنظمات الدولية بالعدالة المتحيزة، لكن متى استقامت العدالة في ديارنا؟! ويتهمون الغرب بالتسييس، وما يغفله اتحاد المحامين العرب هو التسييس بعينه!



أن تُجرم أميركا وإسرائيل فضد أعدائهما، لكننا نجرم في حق مواطنينا وفي حق بني جنسنا! ونريد أن يحترم المجتمع الدولي حججنا، وما نخدع إلا أنفسنا!

_________________________________________________________________






· ـ الدكتور/ عبد الحميد الأنصاري.

· ـ كاتب قطري متخصص في حقوق الإنسان والحوار الحضاري والفكر السياسي.

· ـ أستاذ السياسة الشرعية في كلية القانون بجامعة قطر.

· ـ عميد كلية الشريعة والقانون سابقاً بجامعة قطر.
300 ألف قتيل ومليونا نازح، دمرت قراهم على أيدي ميليشيات الجنجويد العربية... وكل ذنبهم أنهم ليسوا عرباً من جنس حكامهم! SOURCE: http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=38694

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق