الجمعة، 3 أكتوبر 2008

التمييز الإيجابي
فكرة التساوي، وهي غير فكرة الحد الأقصى في توفر الفرص، هي وراء الحملة في اتجاه الانحياز الإيجابي، أو حصص لا تتناسب مع الواقع، وإن كانت مجزية لمصلحة جماعات، كوسيلة لتعديل حالات قديمة وحالية من عدم المساواة في التعامل.
ويتخذ هذا التوجه ثلاثة أشكال: مد اليد نحو الأقليات وتشجيعهم على الوصول إلى المراكز؛ معاملة تفضيلية، يتمتع فيها فريق بمعاملة تفضيلية على غيره؛ ونظام الكوتا أو الحصص، حيث كما يقال، تكون هنالك مساواة في الفرص عندما تكون النسبة ذاتها قائمة في التوظيف أو التمثيل في كيان ما، قياسا على عدد السكان. في البداية كانت الفكرة هي توعية الأقليات بالفرص المتاحة وتشجيعها على السعي لحيازتها. هذا أمر لا يمكن الاعتراض عليه، بيد أن الأمر أصبح يعني التفضيل ونظام الكوتات أي الحصص، وهو ما نعترض عليه.
الانحياز الإيجابي يجب أن يعارض، وهو نفسه ينطوي على رفض لأنماط المساواة الأربعة التي بحثناها أعلاه. أولا، الجماعات تعطى أفضلية على أسس لا علاقة لها بالموضوع. فوائد ومزايا الانحياز كثيرا ما توجه لصالح المتعلمين نسبيا والناجحين من أعضاء الجماعات. ثانيا، معاملة غير عادلة للأفراد في الماضي لا تصحح عن طريق معاملة جيدة لأفراد مختلفين كليا اليوم، والذين ينتمون إلى الجماعة ذاتها صدفة ونتيجة الولادة في تلك الجماعة. ثالثا، أية معاملة متحيزة من شأنها أن تثير ردة فعل ضد أصحاب المزايا الجدد. وبدلا من الاعتراف بأنهم حققوا مراكزهم على أسس من الكفاءة، فإن الافتراض السائد هو أنهم عوملوا بطريقة تفضيلية، وهذا يقلل من الثقة بهم لدى سائر طبقات الشعب. رابعا، إن من غير العدل لأعضاء جماعات الأغلبية في السكان بأن يعاملوا معاملة غير عادلة. وأهم من ذلك كله، فإنه، أي الانحياز الإيجابي، ينطوي على تجاهل لمبدأ المساواة الرسمية والقانونية، حيث أن معاملة الناس لا تكون على أساس مناقبهم ومثالبهم—ما أسماه مارتن لوثر كنج "محتويات شخصياتنا"—بل على خصائص غير ذي موضوع أو علاقة مثل الجندر أو العرق.
المساواة في النتائج
هذا هو أكثر معاني المساواة استعمالا ويدعى "المساواتي" (إيجاليتاري)، وهي أن تكون الأنصبة متساوية بين الجميع. وبدلا من الاهتمام بالأوضاع التي تتم من خلالها المشاركة في المجتمع، فإن هذه الفكرة تركز على النتيجة، بنهاية السباق، التقدم من الفرص المتاحة إلى المكافئات. جميع العدائين سوف ينهون السباق معا، أو سوف ينالون المكافأة ذاتها، سواء كانوا أوائل أو أواخر في السباق. المساواة في النتائج، تهتم بالمساواة المادية، أو المساواة في ظروف المعيشة. وهذا يتطلب إعادة التوزيع من الأفضل حالا إلى الأسوأ حالا، حيث يكون الهدف هو إزالة الفجوة.
دعاة المساواتية كثيرا ما يخلقون الغموض، حول ما إذا كانوا يعنون المساواة في الدخل أو الثروة. ولكن حتى لو تسلم شخصان الدخل ذاته، فإن عدم المساواة في الثروة سوف تتبع سريعا، حيث أن واحدا منهم قد يوفر جزءا من دخله، أو ينفقه على استثمارات طويلة الأجل، مثل تحسين منزله، بينما الآخر يصرف جميع ما له على بضائع ذات فوائد قصيرة المدى، مثل التدخين، ولا يدّخر شيئا. ولا يمضي وقت طويل حتى يصبح الأول أكثر ثروة كثيرا من الثاني، على الرغم من أن كليهما قد تلقيا الدخل ذاته.
بالتوافق مع معظم دعاة المساواة الأخلاقية، يجب أن ترفض مساواة النتيجة، كهدف مرغوب فيه. أولا، إنها مخالفة للطبيعة؛ الوضع الطبيعي للرجال هو أن لا تكون في حوزته مقتنيات مادية متساوية. يتطلب الأمر إجراءات قسرية وغير طبيعية لتغيير ذلك. والأفراد، إذا تركوا لقدراتهم، سوف يتوصلون إلى نتائج مختلفة في دخولهم وثروتهم ومستوى معيشتهم. ثانيا، إنها تنطوي على نفي شامل للحرية الفردية، وتدخل سلطة للدولة في حياة الناس. ثالثا، سوف تؤدي إلى إنقاص كبير في الإنجاز، بسبب إنقاص الدوافع للعمل والإنتاج. لماذا تعمل، إذا كنت تعرف بأنك سوف تتلقى الفوائد ذاتها، بغض النظر عن الجهد؟ رابعا، إنها غير عادلة حيث أن الناس يستحقون الفوائد التي تحققها جهودهم. خامسا، الثروة يجب أن تُخلق. فدعاة المساواتية منغمسون بموضوع إعادة توزيع الثروة إلى درجة أنهم نادرا ما ينظرون إلى ما يربط بين الإنتاج والتوزيع. وإذا أنتج إنسان ما، تم اكتشاف بأنه، وبدون إذنه، أُخذ قسم من ثروته وأُعطي للآخرين، فإنه سوف يخفّض من إنتاج الثروة. أنت تستجيب للحوافز، والنتيجة هي خسارة في الثروة يتكبدها المجتمع كله. إن من الخطأ الظن بأنه يمكن تغيير التوزيع دونما تأثير على خلق الثروة. وأخيراً، من هو الذي سيساوي المتساوين؟ أحد ما أو جهة ما يجب أن تكون لها السلطة لتقرير من يأخذ ماذا. أعضاء هذه النخبة صاحبة القرار سوف يكون لها نفوذ أكبر كثيرا من أية جهة أخرى، وسوف تستخدم مثل ذلك النفوذ لخدمة مصالحها. ومع أن أجور أعضاء اللجان الشيوعية كثيرا ما كانت مساوية لأجور الآخرين، إلا أنهم استطاعوا استخدام نفوذهم السياسي لتحسين أوضاعهم الذاتية. لذا فإن تحقيق المساواة في النتائج يتطلب عدم مساواةٍ شاسعةٍ في السلطة السياسية!
مع التساوي وضد المساواة
إن نظاما سياسيا عادلا سوف يعطي ما يستحق من الاحترام إلى: المساواة أمام القانون، تطوير نظام قانوني يعامل الناس الذين يمثلون أمامه بالتساوي؛ حقوق سياسية متساوية، حيث يتمتع الجميع بحق الاقتراع، وحق التعبير عن آرائهم بحرية؛ وفرص متساوية بمعنى أن تكون آفاق العمل والتقدم مفتوحة أمام ذوي المواهب. بيد أن مجتمعا حرا وعادلا سوف يرفض التحيز الإيجابي

وإعادة توزيع الثروة والمساواة المطلقة

لاهاي- هولندا
عثمان الشريف اسحاق

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق