الأربعاء، 9 أبريل 2008

دارفور و"الإستنزاف"


دارفور و"الإستنزاف"

إيريك ريفز

بدأ النظام السوداني العام السادس من حرب الإبادة، التي يخوضها ضد المتمردين في المنطقة الغربية الشاسعة من إقليم دارفور، باستهداف السكان المدنيين من أصول أفريقية، الذين ينظر إليهم باعتبارهم مصدر الدعم الرئيسي للجماعات المتمردة المنشقة. ونظراً لطول فترة الصراع، فإنه كان من المحتم أن تتخذ التقارير الإخبارية القادمة من هناك طابعاً مألوفاً ومكرراً إلى حد كبير يخفي الكارثة الوشيكة التي ستصيب سكان الإقليم.

ومن دون تحسن الظروف الأمنية على الأرض سواء للمدنيين من سكان الإقليم، أو للجماعات التي تقوم بتوفير المساعدات الإنسانية، والتي يزداد اعتماد هؤلاء السكان عليها، فإن أعداد من سيلقون حتفهم في الشهور القادمة ستصل إلى أرقام مذهلة. إن الهدف الذي لم تتمكن الخرطوم من تحقيقه عن طريق العنف المفرط خلال عامي 2003- 2004، والذي أدى إلى دمار شامل للقرى التي يسكنها السكان المنحدرون من أصول أفريقية، ستتمكن من تحقيقه عبر تكتيك"الإبادة من خلال الاستنزاف"، وذلك عندما يواجه المدنيون النازحون المقيمون في معسكرات أو الباقون بقراهم قصوراً هائلاً في احتياجاتهم الضرورية، وخصوصاً الأغذية والماء الصالح للشرب.

فالخريطة الجديدة التي أعدتها الجهات المختصة التابعة للأمم المتحدة عن توزيع المساعدات، وإمكانية وصولها إلى مختلف نواحي دارفور، تبين أن هناك أعداداً كبيرة من سكان الإقليم لا يصل إليهم سوى مساعدات محدودة أو لا تصلهم مساعدات على الإطلاق. وهناك إجماع في الرأي بين منظمات المساعدات الإنسانية غير الحكومية على أنهم غير قادرين سوى على الوصول إلى 40 % فقط من إجمالي سكان دارفور المحتاجين للمساعدات 2.5 مليون فقط من بين 4.3 مليون من سكان الإقليم الذين تأثروا بالصراع، ومعظمهم نساء وأطفال، وأنهم غير قادرين على الوصول بأمان إلى هذه النسبة من السكان، كي يقدموا لهم ما يحتاجونه من غذاء ومياه نظيفة، ومأوى وعناية طبية أولية.

والأوضاع في دارفور مرشحة للمزيد من التفاقم، بسبب اقتراب موسم هطول الأمطار، والتي يتوقع أن تصل إلى أقصى معدلاتها في يونيو القادم مما سيؤدي إلى شل الحركة بمختلف أرجاء الإقليم.

ويُشار إلى أن قوة الحماية التي فوضّها مجلس الأمن الدولي في شهر يوليو الماضي، قد أصبحت-وإلى حد كبير- غير قادرة على الوفاء بمهمتها... بل إن هناك خطراً من تعرض هذه المهمة للسقوط قريباً إذا لم تتمكن من القيام بما هو أفضل من الدور الضعيف، الذي كانت تضطلع به مهمة الاتحاد الأفريقي السابقة بسبب ضعف إمكانياتها البشرية. ومن المعروف أن الخرطوم ترفض استقبال وحدات من الدول غير الأفريقية، وتعوق عمليات نشر القوات بحرية في مختلف المناطق باتباع طرق مختلفة وهو ما يساهم أكثر من غيره في الوصول إلى الحالة التي وصفتها منظمة "هيومان رايتس ووتش" مؤخراً بـ"الفوضى المتعمدة"، ورغم مساهمة طائفة من الجماعات المتمردة والعناصر المسلحة المُستغلِة بدور في انتشار أعمال العنف التي تهدد سلامة منظمات المساعدات الإنسانية، فإن ما يساهم أكثر في هذا العنف هو كون الخرطوم لم تفعل شيئاً تقريباً لتوفير الأمن لسكان الإقليم أو لمنظمات المساعدات الإنسانية، وهذا سيؤدي إلى إعاقتها، وإلى عدم قدرتها على الحركة فعلياً من أجل توصيل المعونات للسكان المحتاجين إليها. لقد صبر المجتمع الدولي أطول مما ينبغي على حكومة الخرطوم في إصرارها على إعاقة قوة الحماية المفوضة من قبل الأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه ممارسة مضايقات بغير حدود للقائمين على العمليات الإنسانية. المطلوب الآن على أقل تقدير هو نشر قوى أمنية بصفة عاجلة للغاية حتى يمكن توصيل المواد الغذائية إلى المناطق التي تحتاج إليها بصورة ماسة، مع قيام الحكومة في الوقت نفسه بتقديم التزام لا يقل عجلة بحماية عمليات الإغاثة لتحقيق هذا الهدف خلال الشهور الثلاثة الحرجة التي ستسبق موسم هطول الأمطار. وإذا لم يتم مواجهة الخرطوم بشأن سياساتها القاتلة الخاصة بمفاقمة حالة انعدام الأمن، وإعاقة عمليات توصيل المساعدات، فإن النتائج التي ستترتب على ذلك ستكون موت مئات الآلاف من السكان في هذا الإقليم، وهو خيار لا يمكن القبول به على الإطلاق.



إيريك ريفز

أستاذ بكلية "سميث"- ماساشوستس ومستشار لعدة منظمات تعمل في مجال حقوق الإنسان، والمساعدات الإنسانية في السودان.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق